كثيرًا ما ينزعج الوالدان حينما يروا طفلهما يكذب، والكذب عادة سيئة يتبعها كثير من الأطفال في الوقت الذي يحاول فيه أولياء أمورهم غرس صفة الصدق داخلهم باعتبارها أسمى قيمة يمكن أن يمتلكها إنسان في هذه الحياة، إلا أن الحقيقة الواضحة التي لا ينتبه إليها الكثيرون هي أن الأطفال يتعلمون الصدق إذا هم رأوا الكبار صادقين، وهذا الأمر لا يمكن التغافل عنه، فكل كذبة تقال من الأطفال يقف الآباء والأمهات عاجزين عن التصرف إزاءها، وأحيانًا قد تتخذ الأسر مسار العنف لمحاولة تجنيب الطفل الكذب ودفعه لقول الحقيقة، إلا أن هذا لا ينفع في أغلب الأحيان، ويتخذ الطفل موقفًا صلبًا في قول كذبته ليتبعها الكثير في المرات القادمة.
فكيف بإمكان الأسر التصرف إزاء مثل هذه المواقف؟ وماذا يمكنها أن تفعل لطفلها الكاذب؟ وهل تكون الأسرة المحرك أو المحرض الأساسي لدفع ابنها لكي يكذب؟ وكيف يمكن التصرف مع الطفل الكذاب منذ سنوات طفولته وحتى سن المراهقة؟
الطفل مرآة الأسرة:
إن الطفل ذا السنوات الصغيرة بعض الشيء يعيش في حقيقة تختلف كل الاختلاف عن حقائقنا، ومتى كذب لا يكون قاصدًا تشويه الحقيقة بقدر ما يكون راغبًا في إعطاء جو آخر بدأ يتحسسه ويشعر به، فإذا ما أسقط الكوب على الأرض مثلاً فإنه يشعر بأن أحدًا غيره قد أسقطه، ولأنه يود لو أسقطه غيره بقوله "إنه لم يسقطه" فمنطقه ليس كمنطقنا، لهذا فليس من العدل اعتبار كلامه مقصودًا، وإذا ما أصرت الأم أن يعترف الطفل بكذبه فإن ذلك لا يكون محاولة صائبة، وإذا ما قال الطفل "أنا كسرت الكوب" فما الذي تفعلينه أيتها الأم؟ أتعاقبينه أو تكافئينه، وضع لا غالب فيه ولا مغلوب والشيء الوحيد الذي يجدر بك فعله هو أن تشرحي لطفلك لماذا يزعجك سقوط الكوب، وبأن سقوطه سيسبب مشكلات كثيرة منها إنه اذا ما دخل الجسم فإنه سيصيبه بحروح بليغة ستؤدي به حتمًا للذهاب إلى العلاج وهي تخشى عليه، بالإضافة إلى ما قد يُسببه من إزعاج في التنظيف والخسارة الكبيرة للكوب، أيضًا هذا الأمر قد يجعل الطفل يستجيب مع كلام الأم ويفضي بأفعاله البسيطة إلى والدته ويصرح لها عن كذبته بكل سهولة وبساطة.
في المدرسة:
الأسرة المعلم الأول:
مما لا شك فيه أن الأسرة تلعب دورًا كبيرًا وفعالاً في تعليم أطفالها الكذب بطريقة أو بأخرى، وهذا ما يجب أن تفكر فيه كل الأسر التي تدخل هذه الأساليب السلبية في عقول أطفالها منذ حداثتهم، فمثلاً عندما يأتي أحد الأصدقاء غير المرغوبين إلى والد الطفل فيخبر الطفل بأن يخرج إلى صديقه ويخبره بأنه غير موجود داخل المنزل، هذه الكذبات البسيطة قد تعلق في ذاكرة الطفل بأنه بينما الأهل لا يعلقون أهميةً كبرى على مثل هذه الأفعال ويظنون بأنه لا يمكن للطفل التقاط أشياء بسيطة وهينة كهذه، إلا أن ذلك غير صحيح على الإطلاق فذاكرة الطفل يمكنها أن تحمل أشياء كثيرة لا يمكن لنا تخيلها، فإذا كان الأبوان صادقين في أقوالهما وأفعالهما، وكانا يتجنبان الكذب.. مهما كانت النتائج فمن المستحيل أن يتعرف الطفل على عادة الكذب الذميمة، أما إذا وجد أبويه أحدهما أو كلاهما يكذبان في كثير من الأحيان فليس من المستغرب أن يقتدي بهما بدوره فيغدو كذابًا كبيرًا لا على أبويه فحسب، وإنما على أقربائه وأصدقائه وجيرانه وربما على نفسه أيضًا
No comments:
Post a Comment